الثورة السورية.. أين وإلى أين؟

  1170787_540315939370826_65662124_n 
:نشرت هذه المقابلة  في
 الحوار منشور بالعدد 24 من مجلة “أوراق اشتراكية”- خريف 2013
الأحد 10 نوفمبر 2013

مر أكثر من عامين ونصف منذ بداية الثورة، خاض الشعب السوري، نضالا ضد نظام دكتاتوري مستبد إلى جانب نضاله ضد جماعات رجعية مسلحة تعادي الثورة، وتحالفات إمبريالية بغيضة عرقلت بشكل كبير مسار الثورة، برهن خلالها الشعب السوري على قدرته على الصمود بمراحل الثورة من بداياتها، وإصراره على نيل حريته، باستمرار احتجاجاته برغم الحصار والقصف والقتل.

وبهدف الاطلاع على الوضع الراهن للثورة السورية وآفاقها المستقبلية، كان لنا حوار مع جوزيف ضاهر، الناشالماركسي الثوري وعضو تيار اليسار الثوري السوري.

في ظل القمع المتواصل من قوات النظام والممارسات الوحشية للمجموعات المسلحة الرجعية وتضييق الحصار الاقتصادي والأمني على عدة مناطق داخل سوريا. كيف تعاملت معها الجماهير السورية لتسيير حياتهم اليومية ؟

الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوري في تدهور مستمر، يضاف إلى الدمار. وقد ارتفعت كلفة السلع الأساسية إلى أكثر من 300%، فكل عائلة تتألف من خمسة أفراد ازدادت تكلفة معيشتهم إلى أكثر من ثلاث مرات مما كانت عليه قبل الأزمة، فأصبحت تحتاج إلى راتب يتراوح بين 905 و1200 دولار أميركي لتأمين احتياجاتها الأساسية. في حين أكثر من 80% من السوريين لا يصل راتبهم إلى 286 دولار شهريا. في السياق نفسه، نشر برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة تقريرا مؤخرا، أشار فيه إلى أن أكثر من 4 ملايين سوري غير قادر على تأمين احتياجاتهم الغذائية. وقد تجاوزت معدلات الفقر كل التوقعات، لتصل إلى 80% معدل بطالة السكان، ومن ناحية أخرى، وصل معدل البطالة إلى 55% بحسب أرقام النظام.

لكن الثورة السورية مازالت قائمة، إنها متواصلة ولم تتوقف، رغم الحرب التي يشنها النظام بلا شفقة ضد الحركة الشعبية ومذابحه المتكررة ضد السكان المدنيين. والمثال الأخير عن هذه الهجمة الأخيرة كان في 21 أغسطس الماضي، حين هاجم النظام السوري، بالأسلحة الكيماوية والغازات السامة، منطقة الغوطة الشرقية، وهي ضاحية من ضواحي دمشق، مسببا مقتل أكثر من ألف شخص بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. منظمة أطباء بلا حدود أصدرت بيانا قالت فيه أن المستشفيات التي تدعمها في سوريا عالجت أكثر من 3600 مريضا يعانون من “أعراض تسمم في الجهاز العصبي”، وقد لقي 355 منهم حتفهم.

هذه المجزرة أتت في أعقاب تصريح الديكتاتور بشار الأسد أنه “لا حل يمكن التوصل إليه مع الإرهاب إلا بضربه بيد من حديد”. أو بعبارة أخرى، إن النظام يواصل محاولاته العسكرية لسحق وتدمير الثورة الشعبية السورية. ورغم التهديدات الداخلية التي تشنها المجموعات الإسلامية الرجعية، وعلى الرغم من أن هذه المجموعات أقلية، حوالي 10 آلاف مقاتل على ما مجموعه 100 ألف، فهي خطيرة، وهي أيضا عدوة الثورة بمعارضتها لأهداف الانتفاضة من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتي تعارض الطائفية.

وكما يواصل المتظاهرون الهتاف أثناء احتجاجات عديدة أقول: “الشعب السوري ما بينذل” و”الموت ولا المذلة”. ستواصل الحركة الشعبية كفاحها حتى انتصار أهداف الثورة، وكما كتب أيضا ثوار على لافتة في حمص، المدينة المحاصرة منذ أكثر من 500 يوم، “يمكنك اعتقال ثائر، لكنك لن تستطيع اعتقال الثورة”. تترجم هذه اللافتة بشكل جيد إصرار الشعب السوري، على الرغم من الصعوبات والتهديدات المتعددة، ليس هناك عودة إلى الوراء للحركة الشعبية السورية في نضالها من أجل الحرية والكرامة.

رأينا الدعم الضعيف للمقاومة الشعبية المسلحة وقدراتها المتواضعة لشن هجوم مماثل لقوات النظام، في مقابل، دعم قوي للمجموعات المسلحة الرجعية. إلى أي مدى يساهم ذلك في قدرة المقاومة الشعبية المسلحة على الاستمرار؟

نعم، الدعم للجيش السوري الحر منخفض جدا. لن تقدم  الحكومات الغربية وسائل المقاومة للجيش السوري الحر الذي يفتقر إلى كل شيء، في حين يتوفر للقوى الرجعية تمويلا هائلا تقدمه السعودية ودول الخليج التي تريد تحويل الثورة الشعبية إلى حرب طائفية لمنع رياح الثورة من الوصول إليها. فجميع شحنات الأسلحة إلى الجيش الحر لا تزال بكمية قليلة، ولا تسمح بأي حال من الأحوال بانتصار الثورة السورية، ولكنها تنحصر في تعديل ميزان القوى، وهذه الأسلحة هي أقل بكثير من كميات الأسلحة التي تقدمها إيران وروسيا إلى النظام الإجرامي ولكن تهدف إلى بقاء الثوار ودفعهم إلى قبول اتفاق مع النظام. ‫مثلا في مؤتمر الدوحة في الصيف، أعلنت العديد من الدول عن استعدادها لتكثيف المساعدات للثوار في محاولة منها لإعادة التوازن إلى ميزان القوى لصالح الثوار السوريين وذلك قبل عقد مؤتمر “السلام” في جنيف. “انتصارات” وتقدم النظام السوري على الصعيد العسكري أثار مخاوف القوى الغربية ودول الخليج التي تعتقد أنها ستخسر الفرصة لفرض شروطها خلال التسوية التي يُحَضر لها في المستقبل. ولذلك أرسلت شحنة الأسلحة إلى الجيش السوري الحر.

‫ومع ذلك، لا تزال القوى الغربية ترفض تقديم الأسلحة. فقد أعلن بوضوح وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس أن بلاده لا ترغب في تزويد  الثوار بالأسلحة لأن ذلك من شأنه أن “يسبب نتائجا عكسية” لاحقا على باريس.

تسليم شحنة الأسلحة هذه لم تغير من أهداف القوى الدولية الكبرى التي أكدت عليها خلال قمة مجموعة الدول الثمانية وفي مؤتمر الدوحة، حيث قال وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري أن الثوار يحتاجون إلى دعم أكبر من أجل “الذهاب إلى جنيف” وتغيير “الخلل في ميزان القوى على أرض المعركة”.

الانتصار العسكري البحت هو أمر صعب بفعل بنية جيش النظام السوري المبني على أسس طائفية، وزبائنية وعلى التحالفات العشائرية والقبلية والمحسبوية في وقت يفرض سلطته القمعية داخل القوات المسلحة، الأمر الذي يجعل من الصعب حصول انشقاقات واسعة بسبب الدعم اللوجستي والمالي الذي تقدمه روسيا وإيران ومشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري. لذلك ينبغي الحفاظ على ضرورة الجمع بين المقاومة الشعبية المسلحة والحركات “السلمية” والمدنية (الإضراب ومختلف الأنواع الأخرى من المواجهة) التي تساعد في إسقاط النظام.

هذه هي الطريقة التي من شأنها المساعدة في ردم التفاوت الحالي الذي هو لصالح النظام وبالتالي زعزعة استقراره أكثر فأكثر، وعدم التوازن مع النظام سيكون من الصعب التغلب عليه عسكريا طالما لا تحظى القوى الديمقراطية في الجيش السوري الحر بدعم لوجستي ومادي، ورغم هذا الوضع فالمجموعات الديمقراطية التابعة للجيش السوري الحر تلعب دورا مهما في الدفاع عن الثورة وأهدافها، كما تناضل ضد الطائفية، وتتشكل بعض الكتائب التابعة للجيش السوري الحر من أفراد من خلفيات دينية مختلفة، كالسنة والعلويين والاسماعيليين والمسيحيين وعرب وأكراد.

المجموعات الإسلامية الرجعية، وعلى الرغم من مشاركتها في بعض المعارك ضد النظام على المستوى العسكري، فإنها تستمر في العمل ضد الثوار وضد كتائب الجيش السوري الحر، وكان المثال الأخير في مدينة الرقة في منتصف شهر أغسطس الماضي، حيث شنت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هجوما عنيفا ضد كتيبة أحفاد الرسول التابعة للجيش الحر. تجدر الإشارة إلى أن عدة مظاهرات خرجت خلال شهر مايو الماضي حيث هتف المتظاهرون: “سوريا حرة حرة.. الدولة (داعش) تطلع برا”.

كما طردت داعش كتائب من الجيش السوري الحر من عدة مناطق حررتها لفرض إمارات إسلامية، في وقت ترفض المشاركة في المعارك الدائرة على الخطوط الأمامية في حلب، وحمص وخان العسل، وقد اتسع نطاق التوترات بين كتائب الجيش السوري الحر والمجموعات الإسلامية الرجعية كجبهة النصرة وداعش في العديد من المناطق. وفي نفس الوقت ازدادت، ولا تزال تزداد، المظاهرات الشعبية في المدن المحررة ضد المجموعات الإسلامية الرجعية وتصرفاتها الاستبدادية، وهذا هو الفرق الرئيسي بين الجيش السوري الحر والجماعات الإسلامية الرجعية، هؤلاء ليس لهم جذور شعبية؛ بينما التعاون بين الجيش السوري الحر واللجان الشعبية متعدد.

الآن ينبغي فهم الدور الحاسم الذي تضطلع به اللجان الشعبية والمنظمات في مواصلة السيرورة الثورية، لأن الفاعلين الأساسيين هم من يمكن الحركة الشعبية من المقاومة. لا يتعلق الأمر فقط بدور المقاومة المسلحة، لكن هذه الأخيرة متوقفة على الحركة الشعبية لمواصلة المعركة، فبدونها لن تكون لدينا آية فرصة.

وأخيرا لا ننسى أن المقاومة الشعبية للجيش السوري الحر يمثل الغالبية العظمى من 100 ألف مقاتل، في حين أن الجهاديين لا يتجاوز (10 – 15) ألف، هذا لا يعني أننا يجب أن نقلل المخاطر وتأثيرها السلبي على الثورة. وأكرر، هم أعداء الثورة.

طيلة العامين الماضيين شاركت المرأة السورية في الثورة بشكل بارز وتعرضت للضرب والاعتقال. ما هو الدور الذى لعبته المرأة في الثورة السورية حتى الآن؟

تشارك النساء بفعالية في السيرورة الثورية الجارية في سوريا حيث نشهد على رسوخ مشاركتهن. في سوريا، اللجنتان التنسيقيتان الأكثر شعبية ترأسهما رزان زيتونة وسهير الأتاسي دون الحديث عن دور النساء في المقاومة الشعبية – وحتى المسلحة منها – في مختلف أنواعها ضد نظام الأسد.

شاركت النساء في المظاهرات ضد النظام منذ بداية الثورة في مارس2011. نشطت المرأة في مجال الخدمات في المجالس المحلية بالمناطق المحررة، التي هي العمود الفقري للحركة وللمقاومة، نظرا لدورها المهم في تنظيم التظاهرات، والمساعدات الإنسانية، واستقبال اللاجئين، وتعليم الأولاد.

وتجدر الإشارة إلى أن النساء يضطلعن بدور كبير في هذه الحركات وفي التظاهرات بشكل عام. على سبيل المثال في 18 يونيو الماضي بمدينة الرقة، نظمت النساء تظاهرة حاشدة، أمام مقر جبهة النصرة، للمطالبة بتحرير السجناء المعتقلين. رفع المتظاهرون شعارات ضد جبهة النصرة، ونددوا بأعمالها. ولم يتردد المتظاهرون والمتظاهرات في رفع أول شعار استعمل في دمشق في فبراير عام 2011: “الشعب السوري ما بينذل”. كما نظمت مجموعة “حقنا”، التي يتواجد فيها عدد كبير من النساء، تجمعات عديدة ضد المجموعات الإسلامية في الرقة، رافعين شعار: “الرقة حرة، الجبهة تطلع برا”.

وفي سجن عدرا، بدأت المعتقلات إضرابا عن الطعام احتجاجا على إهمال النظام لأوضاعهن وتأجيل محاكمتهن. واعتقل النظام أولئك النساء بتهم زائفة “دعم الأعمال الإرهابية” بالإضافة إلى اتهامات سياسية أخرى. وفي رسالة وجهتها المعتقلات لرئيس محكمة مكافحة الإرهاب، طالبن فيها السلطات النظر في قضاياهن وتسريع إجراءات محاكماتهن خاصة للمسنات والحوامل بالإضافة إلى اللواتي يعانين من أوضاع صحية حرج.

وإذا كانت النساء هن في طليعة الحركة الثورية في سورية، وأيضا في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، فلأنهن يعرفن أنه دون إسقاط كل دعائم هذه الأنظمة، فإنهن لن يتمكن من تحقيق التغيير الجذري الذي يطمحن إليه. إرادة متابعة الثورة أصبح واضحا بالنسبة للجميع. المناضلات الشجاعات لسن ضحايا، إنما هن في الصفوف الأمامية للحركة الجذرية، وكما كتب الثائر الروسي ليون تروتسكي في الماضي، يجب أن نفهم “إنه لتغيير ظروف الحياة، يجب أن نتعلم على رؤيتها من خلال عيون النساء”..

وكما كتبت مجموعة نساء تنسيقية السلمية المتعاطفة مع تيار اليسار الثوري في سورية: ” ثورتنا ليست فقط ثورة على نظام حكم فاسد وقوانين بالية مهترئة لم تنصف المرأة، بل هي ثورة على كل العادات والتقاليد التي أخًرت المرأة ومنعتها من المشاركة الحقيقية والفعالة في بناء الدولة والمجتمع”.

كرًس النظام منذ بداية حكم الأسد الأب الطائفية كضمان لبقاءه في السلطة ومنذ قيام الثورة لم يتردد الأسد الابن في استعمالها بشكل ممنهج لقمع الثورة وسط استغلال عدة منظمات إرهابية ومجموعات مسلحة رجعية لهذا الوضع. ما مدى استجابة الجماهير السورية لتلك الأداة؟

لم تكف معظم الحركة الشعبية السورية عن ترديد رفضها للنزعة الطائفية، رغم محاولات النظام والمجموعات الإسلامية إشعال فتيل هذه النار الخطيرة. فقد ردد المتظاهرون باستمرار حتى يومنا هذا، شعارات مثل “كلنا سوريون، نحن متحدون”، وفي كثير من التحركات رأينا يافطات واضحة تقول “لا للطائفية”.

في صيف 2012، قامت لجان التنسيق المحلية في سوريا بتنظيم حملة، تحت شعار “طائفتي الحرية”، حيث رفعت اللجان يافطات ترفض فيها الخطاب الطائفي، كما ترفض الممارسات الطائفية للنظام، ومحاولته جر الثورة الشعبية إلى فخ طائفي.

تنسيقية سراقب رفعت يافطات تحمل رموز جميع الطوائف والتلاوين السورية، بينما في داعل، رفع المتظاهرون يافطة تقول: “في سوريا المستقبل، سياسات الإقصاء ستنتهي”. وفي الأشهر القليلة الماضية، رأينا يافطات تقول إن “الطائفية هي مقبرة الثورة السورية”.

لقد أكدت الحركة الشعبية في سوريا، في أكثر من مناسبة، التزامها بالنضال من أجل سوريا موحدة.

في منطقة شمال شرق سوريا، التي تسكنها أغلبية كردية، كانت المعارك التي دارت مؤخراً بين الإسلاميين والمليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (المرتبط بحزب العمال الكردستاني)، مناسبة لمبادرات شعبية اتخذها مناضلون والسكان المحليون، كانت تلك المبادرات تستهدف إبراز التآخي بين الأكراد والعرب في هذه المنطقة وتأكيد أن الثورة الشعبية السورية هي من أجل الجميع رجالا ونساء، وأنها تنبذ العنصرية والعصبوية. خلال تلك المعارك، في محافظة الرقة، شهدت مدينة تل أبيض أيضاً تشكيل كتيبة “شيركو أيوب”، التي انضمت إلى لواء جبهة الأكراد يوم 22 يوليو الماضي. باتت هذه الكتيبة تضم العرب والأكراد معا، وأصدرا بيانا مشتركا يندد بأعمال العنف التي تقترفها الجماعات الإسلامية ومحاولات تقسيم الشعب السوري على أساس اثني وطائفي.

وفي مدينة حلب، في حي الأشرفية – الذي يقطنه بوجه خاص الأكراد – تم تنظيم تظاهرة أول أغسطس الماضي ضمت مئات الأشخاص دفاعا عن التآخي بين العرب والأكراد، وتنديدا بالأعمال التي تقترفها المجموعات الإسلامية المتطرفة ضد السكان الأكراد.

وفي مدينة تل أبيض التي شهدت معارك شديدة، حاول المناضلون إطلاق مبادرات عديدة بهدف إنهاء الصراع العسكري بين المجموعتين، ووقف الترحيل الإجباري للمدنيين، وتشكيل لجنة شعبية لحكم وإدارة المدينة على أساس يومي، وتشجيع مبادرات مشتركة بين العرب والأكراد، من أجل التوصل إلى إجماع بواسطة وسائل سلمية. واليوم تتواصل الجهود برغم استمرار المعارك بين الإسلاميين والمليشيات الكردية.

أما في مدينة عامودا، فقد اجتمع حوالي 30 مناضلا يوم 5 أغسطس الماضي حاملين أعلاما كردية وأعلاما سورية خلف لافتة مكتوب عليها: “أحبك حمص” لإبراز تضامنهم مع هذه المدينة التي تحاصرها قوات النظام. ومؤخرا، في مدينة قامشلي، التي يقطنها السكان العرب (المسلمون والمسيحيون)، والأكراد والآشوريون، أطلق مناضلون محليون مشاريع عديدة لتأمين التعايش وإدارة بعض الأحياء من قبل اللجان المشتركة. وفي نفس هذه المدينة، شنً فرع اتحاد الطلبة الأكراد الأحرار حملة صغيرة في الإنترنت تدعو للحرية والسلم والإخاء والتسامح والمساواة من أجل مستقبل سوريا.

دور اليسار الثوري لا يكون بالتملص من الانخراط في السيرورة الثورية، لكونها تحتوي على عناصر رجعية وطائفية، بل بالعكس تماما، فعلى اليسار أن يواجه، ويوضح أن مصدر هذه السياسات الطائفية هو النظام نفسه، وأن ضرب هذا الخطاب الطائفي لا يمكن أن يتم إلا مع سقوط المروّج الأول للطائفية، وهو النظام، وكذلك وعلى نفس القدر من الأهمية، بالوقوف بحزم ضد العناصر الطائفية والعنصرية من داخل الثورة السورية. فالنضال ضد الطائفية، هو جزء لا يتجزأ من النضال ضد النظام القائم، ويتطلب فصلا جذرياً عن الماضي، وعن السياسات الطائفية والعنصرية. وهذا يتطلب بالإضافة إلى مواجهة النظام مواجهة العناصر التي تسعى من خلالها بعض دول الخليج العربي إلى قولبة الصراع القائم ضد النظام ليكون صراعا طائفيا، لتنجو هي بدورها من الموجات الثورية التي تجتاح العالم العربي.

فالطائفية يمكن تحطيمها إذا فقط عملنا من أجل الديمقراطية الفعلية، والعدالة الاجتماعية والمساواة، والعلمانية والاستقلال الحقيقي.

اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على اتفاق نص على “أن ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية يجب أن تدمر ويتم التخلص منها بحلول منتصف 2014. هل هناك دور جديد ستلعبه أمريكا بعد تخليها عن الضربة العسكرية؟. وما تأثير ذلك على الثورة السورية؟

لا يوجد دورا جديدا للولايات المتحدة مع هذا الاتفاق.الولايات المتحدة وما يسمى بمساعدات دولية وإقليمية، الذين يطلقون على أنفسهم اسم “أصدقاء سوريا”، تريد فرض حلا من فوق بحيث يحافظون على بنية النظام وفق النموذج اليمني من خلال استبدال رأس النظام والحفاظ على بينة النظام كما هي. هذا الحل تؤيده دولا داعمة للنظام السوري مثل إيران وروسيا. أما في الجهة المقابلة، وعلى رأسهم السعودية وقطر، فيريدون تحويل هذه الثورة الشعبية إلى حرب طائفية لأنهم يخشون انتشار الثورة في المنطقة والتي ستهدد أنظمتهم ومصالحهم، وتحويل الثورة إلى حرب أهلية يخيف بقية شعوب المنطقة وذلك وفق المعادلة التالية: كل تغيير في المنطقة من شأنه أن يثير حروبا طائفية ونحن (الأنظمة العربية) نريد المحافظة على الوضع القائم، وبعبارة أخرى، الحفاظ على سلطتنا الديكتاتورية، هذه الأنظمة التي تشكل أساس الثورة المضادة والتي تمول تنظيمات إسلامية متطرفة مثل جبهة النصرة، والتي تعتبر أيديولوجيتها طائفية ورجعية وعلى العكس تماما من روح الثورة، وتحاول ضرب وتحجيم دور المجالس الشعبية، في بعض الأوقات عن طريق العنف.

موقف الولايات المتحدة يعكس بالضبط هذا الأمر، فهي ترفض تزويد المجموعات المرتبطة بالجيش السوري الحر بالأسلحة في حين تعطي موافقتها على شحنات الأسلحة المرسلة من دول الخليج إلى المجموعات الإسلامية المتطرفة وغير المرتبطة بالجيش السوري الحر في أغلب الحالات.

إن هدف مؤتمر جنيف 2 و”حلول” أخرى سد طريق تغيير جذري من أسفل ووقف ريح الحرية التي قد تهب مع سقوط النظام على ملكيات الخليج وتفتح مقاومات جديدة في الأراضي المحتلة السورية والفلسطينية. إن مؤتمر جنيف يرتئي أسوأ الحلول: الحفاظ على هذا النظام المجرم.

كل هذه التهديدات لها ذات الهدف: منع التغيير الجذري من القاعدة الشعبية الثورية في سوريا. في حين يستمر الشعب السوري في مقاومته ونضاله المتواصل من أجل تغيير جذري ويرفض كل أنواع التدخلات الخارجية التي تريد الحفاظ على بنية النظام، كما في العديد من التظاهرات الرافضة مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب مع النظام. فخلال مظاهرات جمعة 8 فبراير الماضي، رفع المتظاهرون والمتظاهرات لافتات كتب عليها “نحاور فقط على رحيل النظام”. والشعب السوري لن يقبل بأقل من ذلك.

وفي رسائل لجان التنسيق إلى العالم 20 سبتمبر الماضي، كُتب: “على الرغم من بطش النظام وتخاذل المجتمع الدولي يؤكد السوريون يوما بعد يوم إصرارهم على المضي في الثورة فقد خرجوا في جمعة “وحدهم السوريون من سيحررون سوريا”. ونشطاء اللجان أكدوا أيضا على شرعية ثورتهم الشعبية والمضي فيها حتى النصر رافضين أنصاف الحلول التي لا ترضي تطلعات الشعب، ومهما بلغت الصعاب فالثورات بإمكانها صنع المستحيل.

أكثر من عامين، يحلل معظم قوى اليسار التقليدي السيرورة الثورية في سوريا من الناحية الجيو-سياسية، من أعلى، متجاهلين الديناميكيات الشعبية من أسفل، السياسية والاقتصادية – الاجتماعية. لم تعمل تهديدات البلدان الغربية بالتدخل سوى لتعزيز هذه الرؤية العائمة على تعارض معسكرين: البلدان الغربية ومملكات الخليج من جهة، وإيران وروسيا وحزب الله من جهة أخرى.

نرفض الاختيار بين هذين المعسكرين، ونرفض منطق “أهون الشًرين” هذا الذي لن يؤدي سوى إلى هزيمة الثورة السورية وأهدافها: الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية ونبذ النزعة الطائفية. نحن ندعم موجة الشعب الثائر في نضاله من أجل تحرره وانعتاقه. وفي الواقع، وحده الشعب المناضل سيتيح ليس انهيار النظام وحسب، بل أيضا بناء مجتمع قائم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعلمانية. مجتمع يحترم ويضمن لكل فرد حق ممارسة دينه ويؤمن المساواة للجميع رجالا ونساء دون أي تمييز (ديني، أو اثني، أو مبني على النوع). الجماهير وحدها بمقدرتها التعبوية الخاصة مؤهلة لتحقيق التغيير عبر نضالها الجماعي.

أما بالنسبة إلى المدافعين عن نظام الأسد الذي يدّعون مناهضة الإمبريالية فبإمكانكم قراءة هذا الاقتباس للتروتسكي الفرنسي بيار فرانك: “دعونا نلاحظ أن أعظم منظري الماركسية لم يعرفوا طبيعة سياسة النظام البرجوازي من خلال المواقف الذي يتخذها الأخير في مجال السياسة الخارجية إنما فقط وببساطة من خلال موقفها فيما يتعلق بالطبقات التي تتألف منها الدولة”.

دور اليسار الثوري السوري هو الكفاح إلى جانب الشعب وجميع القوى الديمقراطية والمنظمات واللجان الشعبية من أجل هذه الثورة العظيمة، تماما كما يناضل تيار اليسار الثوري في سوريا من أجل تشكيل حزب العمال الاشتراكي. اليسار الثوري في سوريا لا يقسم المجموعات أو الأفراد بين علماني وديني، ولكن بين أولئك الذين يريدون متابعة الثورة وتحقيق أهدافها، وأولئك الذين يعارضون ذلك.

بناء الحزب الثوري، جنبا إلى جنب وداخل الحركة الشعبية الأوسع، من خلال ترسيخ مبادئ الثورة، (الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمناهضة للطائفية) ليس أملا أو حلما طوباويا، لأننا نعمل على ذلك، وهذا الأمر هو ضرورة سياسية لاستمرار الثورة وتحقيق أهدافها.

ويتلخص دور اليسار مع هذه الكلمات من الثوري الروسي لينين:

إن تصور إمكانية قيام ثورة اجتماعية.. بدون هبّات ثورية يقوم بها قطاع من البرجوازية الصغيرة، بكل ما له من تحيزات، وبدون حركة من جانب جماهير البروليتاريا، وأشباه البروليتاريا، غير الواعين سياسيا، ضد قهر ملاكي الأراضي والكنيسة والمَلَكية، وضد القهر القومي.. إلخ. أقول إن تصور هذا كله يعني التخلي عن الثورة الاجتماعية. فالمتوقع هو أن تنتظم صفوف جيش في مكان ما، ويقول:”نحن للدفاع عن الاشتراكية” وآخر تنتظم صفوفه في مكان ثان، ويقول: “نحن للدفاع عن الإمبريالية”.. وهكذا تكون الثورة الاجتماعية.. إن من يتوقع ثورة اجتماعية “محضة”، أو “نقية”، لن يحيا أبداً حتى يراها. فمثل هذا الإنسان يثرثر بكلمة الثورة، من دون أن، يفهم معناها”. إن السيرورة الثورية ليست ذات لون واحد، ولن تكون كذلك أبدا، فإن كانت لا تعود عندئذ، ثورة. ودور اليسار الثوري هنا واضح جداً، وهو مواجهة النظام، وتثوير الحركة الشعبية.

في الفترة الأخيرة شاهدنا العديد من الاحتجاجات والتظاهرات ضد الممارسات الرجعية لبعض الجماعات الجهادية إلى جانب النظام بالإضافة إلى المقاومة الشعبية السورية وتظاهرات الحركة الطلابية مطلع العام الجاري. ما نسبة صمود الحركة الاحتجاجية في ظل غياب قيادة ثورية؟

واجهت الحركة الشعبية المجموعات الإسلامية المسلحة التي تسعى للتحكم بالقوة بالمناطق المحررة بينما لا جذور لها في الحركة الشعبية، ولم تكن متحدرة من الثورة.

شهدت مدينة الرقة على سبيل المثال مقاومة مستمرة وصلبة ضد المجموعات الإسلامية. منذ أن تم تحرير المدينة من قوات النظام. في مارس الماضي، نُظمت تظاهرات عديدة ضد إيديولوجيا المجموعات الإسلامية وممارستها الاستبدادية. كانت هناك تجمعات تضامنية مع مناضلين مختطفين مطالبة بإطلاق سراحهم من سجون الإسلاميين. أتاحت تلك التظاهرة تحرير بعض المناضلين، لكن مازال عدد كبير منهم رهن الاعتقال حتى اليوم مثل الأب باولو المشهور وآخرين مثل فراس نجل المثقف المناضل ياسين الحاج صالح.

كما نظمت الجماهير الشعبية تظاهرات مماثلة ضد الممارسات الاستبدادية والرجعية للإسلاميين في حلب، والميادين، والقصير ومدن أخرى مثل كفرنبل، ومازالت تلك المعارك مستمرة اليوم.

وفي حي بستان القصر في حلب، تظاهر السكان المحليون مرارا احتجاجا على تصرفات مجلس الشريعة في حلب، الذي يضم مجموعات إسلامية عديدة. وفي 23 أغسطس على سبيل المثال، ندد المتظاهرون في بستان القصر بمجزرة الأسلحة الكيمائية التي اقترفها النظام ضد سكان الغوطة الشرقية، وطالبوا في الآن ذاته بإطلاق سراح الناشط الشهير أبو مريم، الذي اُعتقل مرة أخرى من قبل مجلس الشريعة في حلب.

ومن قبل وفي نفس هذا الحي، في أواخر يونيو الماضي، رفع المتظاهرون شعار “طز في المجلس الإسلامي”، بسبب سياساته القمعية والاستبدادية. وحدث انفجار شعبي أيضا بعد أن قام الجهاديون الأجانب المنتمون لمجموعة دولة الإسلام في العراق والشام باغتيال صبي عمره 14 عاما، بتهمة ما يسمى سب الدين بعد أن روى نكتة تحيل إلى النبي محمد. ونظمت اللجنة الشعبية في بستان القصر تظاهرة ضد المجلس الإسلامي والمجموعات الإسلامية، رافعة شعار: “يا للعار، يا للعار، الشبيحة صاروا ثوار”، أو كانوا يحيلون إلى المجلس الإسلامي باستحضار مصالح الأمن التابعة لنظام الأسد، في إشارة واضحة لممارساتها الاستبدادية.

خلال تظاهرات يوم الجمعة 2 أغسطس الماضي، أعلنت لجان التنسيق المحلية في بيان لها ما يلي: “في رسائل موحدة للعالم أجمع، نؤكد على أن خطف النشطاء والفاعلين الأساسين في الثورة لا يخدم سوى مصلحة نظام الاستبداد، وأن من شأن هذه الأعمال أن تسيء لثورة الحرية والكرامة”. كانت تلك الرسالة موجهة مباشرة إلى تلك المجموعات الإسلامية الرجعية. وبنفس الروح، يوم 28 يوليو الماضي، كتبت لجان التنسيق المحلية بيانا يحمل عنوان: “الاستبداد واحد، سواء باسم الدين أو باسم العلمانية”، رافضين الإسلاميين والنظام على حد سواء.

وفي رسائل لجان التنسيق الى العالم كُتب: “وقد وجه نشطاء اللجان في كل من دوما والزبداني ومضايا في ريف دمشق وطفس والمزيريب في درعا رسائل رافضين فيها استبدال استبداد بآخر وخصوصا ممارسات “دولة العراق والشام” وأنها لا تختلف عن ممارسات النظام السوري في القمع وكبت حرية التعبير”.

وقد أظهرت هذه الجماعات أنها تشكل خطرا على الثورة، كما تشكل جزءا من الثورة المضادة من خلال أيديولوجيتها الرجعية والطائفية.

وللتذكير فإن المشكلة ليست في الإيمان الديني للناس من عدمه، وهو حق لا نقاش حوله، لكن في البرامج والممارسات التي تحملها هذه المجموعات الرجعية وتعمل على فرضها بالقوة والعنف، خصوصا في المناطق “المحررة”. وبالتالي فإن الموقف الصحيح والضروري للمقاومة الشعبية المسلحة هو مواجهتها بكل حزم لإنها تشكل، كما النظام، خطرا كبيرا على الثورة وإمكانيات انتصارها بصفتها ثورة شعبية من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية

اتسعت الأزمة الاقتصادية وطالت الأراضي السورية كافة مع نشوب أزمة اجتماعية بنزوح ثمانية ملايين لاجىء وهجرة مليونين خارج البلاد طبقا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة. إلى أي مدى يمكن أن يصمد النظام وسط هذه المعوقات؟

رغم ضعف النظام الحاكم وفقدانه لسيطرته على مساحة واسعة من الأرض تقدر ب60 %، لكنه ما يزال قائما بل ويستعيد زمام المبادرة العسكرية ويستمر في تدميره لكل المناطق الثائرة واعتقاله للناشطين، والمحافظة على هيكلية السلطة والدولة ودفع الرواتب.. إلخ.

في الواقع، إن هذا النظام الدموي توفرت له عوامل داخلية وخارجية ساهمت في بقائه مترنحا حتى كتابة هذه السطور. فعلى الصعيد الخارجي، توفر له حلفاء لم يتخلوا عنه بل يقدمون له كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والأمني والعسكري والاقتصادي مثل روسيا وإيران والعراق وحزب الله، دون أن ننسى الصين. وعلى مستوى النفط، انخفض إنتاج النفط المحلي إلى أقل من النصف ليصبح 160 ألف برميل يوميا، مما جعل البلاد من مصدٍر للنفط إلى مستورد له ولمشتقاته من فنزويلا وإيران بشكل خاص، بإضافة واحد مليار دولار عام 2012 و3.6 مليار عام 2013 قدمتها إيران، وفق الموقع الحكومي داماس بوست في 3 أغسطس الماضي.

مما لا شك أن الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي من حلفاء النظام السوري سمح ببقائه. وما يساعد أيضا في بقاء النظام الدكتاتوري حتى الآن، هو غياب قيادة ثورية جماهيرية حقيقية للثورة، لأن ما تكرس إعلاميا ودبلوماسيا هي أشكال رديئة جدا للمعارضة السياسية بدءا من المجلس الوطني وصولا إلى الائتلاف الوطني، لأنها هيئات مرتهنة لإرادات الدول الراعية وخاصة قطر وتركيا ومن ثم السعودية أساسا وهي التي سوقت لفكرة غبية ورعناء بالتدخل العسكري الخارجي الوشيك منذ بداية الثورة، وأيضا سوقت لخطاب طائفي مقيت، مع غياب لأي استراتيجية واضحة سوى الانحناء لمطالب الدول الراعية لها، وانغمست في فساد مالي أسوأ من فساد النظام نفسه، في حين أن هيئة التنسيق الوطني في الداخل ارتهنت لاستراتيجية حلفاء النظام من روسيا وإيران وفقدت مصداقيتها.

يمثل أكراد سوريا نسبة ليست بقليلة من السوريين، ما الدور الذى لعبه الأكراد بالثورة السورية ؟

للتذكير قام نظام الأسد منذ 1970 بزيادة التفرقة والتمييز بحق الأكراد، وخلق جو من التفرقة ما بين الأكراد والعرب والأشوريين والتركمان، وخاصة في الشمال. ففي ظل حكم الأسد، جرى اعتبار الأكراد، الذين يشكلون أكثر من 10٪ من المجتمع السوري، مواطنين من الدرجة الثانية. لم يسمح لهم بتعليم لغتهم، ولا الاحتفال بتقاليدهم، وأي محاولة لخرق هذه القوانين قد يُعاقب عليها ب١٠ سنوات من السجن.

بالإضافة إلى ذلك، تم إفقار المناطق الكردية، وأُعطيت الأراضي إلى ملاكين عرب، وتمت السيطرة على آبار البترول الغنية، في المناطق الكردية، وتركت الطرقات بحالة سيئة ومن دون صيانة. وفي عام 2004، قام النظام بقمع انتفاضة الأكراد، التي بدأت بمدينة القامشلي، وانتشرت حينها إلى مختلف المناطق الكردية في سوريا، في الجزيرة، وعفرين، وحلب ودمشق. واستخدم النظام أيضا القبائل العربية لضرب احتجاجات الأكراد، في المناطق الشمالية الشرقية، ما زاد من التفرقة ما بين الأكراد والعرب. وأكثر من 2000 كردي ماتوا أو اُعتقلوا، بينما تم نفي آخرين غيرهم إلى خارج سوريا.

النشطاء الأكراد يلعبون دورا قياديا منذ بدية الثورة وهم موجودين جدا في العملية الثورية، تم نشطاء أكراد، مثل الآخرين، في القمع الرهيب من النظام.  توجد اختلافات بين الجماعات السياسية المختلفة، والمنظمات الشعبية.

انضم مؤخرا المجلس الوطني الكردي، الذي يضم مكونات سياسية كردية مختلفة ويتأثر بسياسة مسعود برزاني، للمجلس الوطني السوري. تأثيرها هو أقل أهمية من حزب الاتحاد الديمقراطي. وتعاون حزب الاتحاد الديمقراطي في بعض المناسبات مع نظام الأسد في عدة أمور، وهو لا يزال عضوا في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا، التي تدًعي المعارضة، ومن أعضائه البارزين هيثم المناع، الذي دعا منذ بداية الثورة إلى حوار مع أطراف من النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين مثل نائب الرئيس فاروق الشرع، كما صرح محمد صالح مسلم زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، بأن الكرد يسيطرون على 60% من النفط.

ومن المفيد التذكير أن حزب الاتحاد الديمقراطي  تعارضه مجموعات متزايدة من الشعب الكردي في سوريا بالإضافة إلى الناشطين الأكراد المؤيدين للثورة بسبب سياسته الاستبدادية وتعاونه مع نظام الأسد في أوقات معينة. والتقى ممثلون عن حزب الاتحاد الديمقراطي بشار الأسد في شهر أغسطس الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي وكرر أن الحزب والأكراد يشكلون جزءا من الثورة الشعبية السورية، ولكنهم يريدون من المعارضة والجيش السوري الحر أن يأخذوا بعين الاعتبار مطالب الشعب الكردي وأن يدينوا كل الأفعال والاعتداءات التي ترتكبها المجموعات الإسلامية ضدهم. والمجلس الوطني السوري رفض في الماضي إدانة أعمال جبهة النصرة، لا بل دافع عنها من خلال جورج صبرا وعن أيديولوجيتها الطائفية والرجعية.

ولكن إطلاق حملة “كردستان الغربية لأبنائها” من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي لصد الهجمات التي تشنها الجماعات الإسلامية على المدن ذات الغالبية الكردية خففت من الانتقادات ضد حزب الاتحاد ودعمتها مجموعات كردية أخرى وشاركت في هذه الحملة، مؤكدين على ضرورة العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي.

ولم تتأخر تركيا في التعليق على الاشتباكات الدائرة بالقرب من حدودها فحذر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو من موضوع حصول الأكراد في سوريا على حكم ذاتي، الذي من شأنه أن يشجع أكراد تركيا على المطالبة بالمثل.وقد قمعت الشرطة التركية مظاهرة كردية في جنوب تركيا كان المشاركون فيها يحتفلون بتحرير عددا من المدن الكردية في سوريا من الإسلاميين. في الوقت الذي تدعم تركيا جزءا من المعارضة السورية، وعلى رأسهم القوى الإسلامية والقوى البرجوازية الانتهازية.

أما تيار اليسار الثوري في سوريا  فقد أكد مرارا التزامه ودعمه لحق الشعب الكردي بتقرير مصيره في سوريا وغيرها، هذا الشعب الذي عانى طويلا من القمع والتمييز على يد جميع الأنظمة في المنطقة. دعمهم في حقهم بتقرير مصيرهم لا يمنعني من التعبير عن الرغبة في أن يكونوا شركاء كاملين في المعركة ضد نظام الأسد الإجرامي، وهم كانوا جزءا من هذه المعركة منذ البداية، وضد المجموعات الرجعية الإسلامية، وشركاء في بناء سوريا الديمقراطية، والاشتراكية والعلمانية.

كما يدين اليسار الثوري سلوك المجموعات الإسلامية الرجعية وغيرها، ومحاولاتهم العنصرية والطائفية لتقسيم الشعب السوري. كما أن رفض بعض المعارضة السورية، ومن ضمنها المجلس الوطني السوري، الاعتراف بحقوق الشعب الكردي في سوريا هو أمر غير مقبول ويشكل امتدادا للسياسات القومية التي انتهجها النظام السوري خلال السنوات الأربعين الماضية.

إن وحدة واستقلالية الطبقات الشعبية دون أدنى تمييز، إثني أو طائفي أو أيا كان في سوريا وغيرها، هو السبيل الوحيد من أجل تحقيق التحرر والتحرير.

*جوزيف ضاهر كاتب وناشط سياسي وعضو في منظمة اليسار الثوري السوري 

* الحوار منشور بالعدد 24 من مجلة “أوراق اشتراكية”- خريف 2013 

 

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s