الصحفي والناشط الكوردي السوري شيار نيّو:عن إعلان الفيدرالية في شمال سوريا

12821523_1517088515262984_6920441197383019058_n

أدعم حق الأكراد والأقليات الأخرى في سوريا في حق تقرير مصيرهم، كما أؤمن أن الفيدرالية أفضل من الدولة المركزية. لكن الفيدرالية تعريفاً تقتضي اتفاق جميع الوحدات أو الأجزاء على هذا النموذج في الحكم لأنها تعتقد أنه أفضل لها جميعاً

ما حصل مع إعلان الفيدرالية في روج آفا وشمال سوريا مؤخراً هو أنه لم يتم التشاور مع بقية أجزاء سوريا والكثير من القوى السياسية والعسكرية
فيها ولم يتم أو إشراكهم في العملية. لا بل إن الكثير من الأحزاب السياسية المحلية في ما يدعى بمناطق الإدارة الذاتية لم يتم إشراكه في العملية

كان يفترض أن تكون هناك عملية طويلة من التشاور والتفاوض، يتبعها استفتاء عام، وكلاهما غير ممكن في الوقت الحالي، بدلاً من مؤتمر نُظم على عجل في الرميلان لمدة يومين كان من الواضح أن حزب الاتحاد الديمقراطي يهيمن عليه، لمناقشة وإقرار وثيقة تأسيسية لا تقل عن المؤتمر سوءاً في جودتها وتخبطها، لكنها تقرر قضايا هامة تخص جميع السوريين. كان من الواضح أنها حركة ذات دوافع سياسية

فقد جاء إعلان الفيدرالية بعد انقضاء أيام فقط على مهاجمة قوات الحزب الاتحاد الديمقراطي لبعض فصائل المعارضة المسلحة والاستيلاء على بعض المناطق في شمال سوريا بدعم من الطيران الروسي والقوات البرية التي تقودها إيران. من بالغ الدلالة بالفعل أن الوثيقة التأسيسية خصصت قسماً كاملاً منها للحديث عن “التطور التاريخي للمشاكل المجتمعية في الشرق الأوسط وسوريا والوضع الراهن” وتتبعتها إلى زمن السومريين وميزوبوتاميا (!) لكنها لم تأت على ذكر الثورة السورية المستمرة ولو مرة واحدة. إذ تتحدث الوثيقة فقط عن الحرب والقوى الإسلامية المتطرفة المدعومة من قبل القوى الإقليمية

علاوة على ذلك، أن يزعم المؤتمرون أنها يعملون على تحقيق فيدرالية ديمقراطية في سوريا في الوقت الذي يمنع فيه حزب الاتحاد الديمقراطي و قواته أحزاباً كردية أخرى في المنطقة من تنظيم مظاهرات واحتفالات بمناسبة عيد نوروز، فذلك يصب في باب النفاق في أفضل الأحوال – إلا إذا كنا نتحدث عن فيدرالية مركزية ديكتاتورية، وهي غالباً ما سيقودنا إليه الحزب إذا استمرت الأمور بالسير على هذا النحو

أما بخصوص النموذج المطروح نفسه، فمن جهة تزعم الوثيقة التأسيسية أن “زمن الدولة القومية قد انتهى” وأن “الحل الواقعي في سوريا هو نموذج الفيدرالية الديمقراطية” (وهي من وحي أفكار أوجلان “الاناركية” المكتشفة حديثاً)، ومن جهة أخرى يصرح مسؤولون في حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي أن النظام الفيدرالي المطروح لن يكون نظاماً جغرافياً بل “مجتمعياً”، أي أنه سيكون مبنياً على أساس المكونات القومية والإثنية في المنطقة. وهذا تناقض جوهري في رأيي. كما أن الطلب من الأجزاء الفيدرالية أن تكون “مكتفية ذاتياً” بينما الحرب لا تزال دائرة أمر سخيف وغير معقول

باختصار، حتى لو كنت سأدعم مشروعاًُ كهذا في المستقبل، إذا ما تم تطبيقه بشكل صحيح وبمشاركة جميع السوريين، فإني لا أعتقد أن التوقيت والطريقة التي تم بها الإعلان عن “الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي في روج آفا – شمال سوريا” كانا لائقين أبداً، عدا عن أن جميع القوى السورية والإقليمية والدولية الكبرى قد أعلنت معارضتها له. فأن تقترح فكرة أو نموذجاً وتحاول بناء الإجماع عليه شي، وأن تعلن الفيدرالية وتفرضها على البقية من طرف واحد ودون التشاور مع أغلب المعنيين بالأمر شيء آخر تماماً

لكن، بعد قول كل ما سبق، من المهم التأكيد على أن للكرد والسريان والأرمن وغيرهم من الأقليات في شمال سوريا كل الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وقد تكون الفيدرالية نظاماً أفضل لضمان هذه الحقوق في المستقبل، خاصة في ضوء ارتهان المعارضة السورية الرسمية لتركيا وغيرها من القوى الإقليمية المعادية لهذه الأقليات، وفي ضوء المواقف القومجية العتصرية التي يتخذها الكثير من المثقفين والسياسيين السوريين العرب. كل ما ستفعله مواقف وتصريحات شوفينية كهذه هو أن تدفع هذه الأقليات أكثر وأكثر باتجاه القوموية والانفصالية

25-03-2016 شيار نيّو

 

Leave a comment