سوريا، السلام والميلاد‬

 كانون اول 27, 2012
الكاتب: جوزف ضاهر
ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو
المصدر‫:‬ 

في فترة الاحتفال بعيدي الميلاد و‬رأس السنة، نسمع ونقرأ ونشاهد العديد من رسائل التضامن من شعوب العالم مع الشعب السوري في صراعه من أجل حريته وكرامته ضد النظام الأسدي.

والعديد من الأصدقاء والعائلات والرفاق وآخرين يسألونني عن معالم الحل بالنسبة إلى الشعب السوري؟ ما الذي يمكن فعله ضد النظام؟ وقبل كل ذلك، كيف يمكن إحلال السلام في سوريا وللشعب السوري؟

للسلام عدة معان لكنني أفهمه بحسب التالي…

أولا، أود تذكير الجميع بأن السلام لم يكن موجودا قبل بداية الثورة في سوريا في آذار ٢٠١١، ولكن كان الأمر وهما. لماذا؟ لأن النظام السوري ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام ١٩٧٠ أطلق حربا مستمرة ضد الشعب السوري، من خلال القمع التعسفي، ومحاولات قسمة الشعب السوري على أسس طائفية وإثنية، وإفقار الغالبية العظمى من الشعب السوري من خلال الفساد، وكذلك من خلال اعتماد سياسة نيوليبرالية فرضها بشار الأسد وأغرق بموجبها ٦٠ بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.

في آذار ٢٠١١، واستمرارا للثورات الشعبية التي تعم المنطقة، بدأ الشعب السوري سيرورته الثورية لوضع حدٍ لهذا السلام الوهمي والقمع، ومن أجل العيش بحرية وكرامة.

المعارضة الشعبية المسلحة لا تسبب حربا في سوريا أو للشعب السوري، لكن النظام ومن خلال إرادته لمتابعة الحرب المستمرة ضد الشعب يجبر كل منهم على التسلح أو أن يعتمد نهج المقاومة المدنية. وارتكب النظام مؤخرا مجازر جديدة في حلفايا في حماه وتلبيسة من ضواحي دمشق، موقعا مئات الشهداء والجرحى. في الحالتين، استهدف النظام المدنيين خلال وقوفهم في الطوابير للحصول على الخبز. تجاوز عدد شهداء الثورة خمسين ألف شهيد، وجرى تدمير العديد من المدن من خلال استهدافها من الطيران الحربي ودبابات النظام. في الوقت عينه، سجل تهجير أكثر من نصف مليون سوري إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى تهجير مليونين ونصف مليون شخص داخل سوريا. عام ٢٠١٣، سيبلغ هذا العدد ٤ مليون لاجئ بحسب تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

لهذ السبب لا يمكن إحلال السلام بدون إسقاط النظام. ولا يمكن تحقيق من خلال ما يقترحه مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي من خلال “خطته للسلام من أجل سوريا” وتشكيل حكومة انتقالية بحيث تتولى المسؤولية التنفيذية لحكم سوريا حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية عام ٢٠١٤ برعاية الأمم المتحدة. خلال هذه الفترة، سيحتفظ الديكتاتور بشار الأسد بموقعه في سدة الرئاسة. هذه الخطة كمثيلاتها عندما لا تقترح إسقاط النظام ضمن بنودها لن تحمل السلام معها.

هذا لا يعني غياب الأخطاء والجرائم والتي مست روح الثورة والتي اقترفتها المقاومة الشعبية المسلحة، والتي ندينها. ونشوء فصائل إسلاموية مثل جبهة النصرة وغيرها يجب إدانتها وفهم الدور الذي تلعبه الدول الإقليمية بهدف حرف مسار الثورة الشعبية وتحويلها إلى حرب طائفية، وبعبارات أخرى بهدف إفشال الثورة الشعبية.

ومع ذلك، يستمر الحراك الشعبي، ففي ٢١ كانون الأول أحصت لجان التنسيق المحلية خروج أكثر ٢٩١ تظاهرة في عدة مدن سوريا. وقد شهدت مدينة حماه أكبر عدد من التظاهرات إذ بلغت ٨٧ تظاهرة حيا فيه المتظاهرون الجيش السوري الحر، وتتبعها مدينة دير الزور التي خرجت ٦١ تظاهرة تحية لشهداء وتعهدا بمواصلة القتال، في حلب، المدينة التي أهدي تسمية الجمعة المنصرمة لها خرجت ٣٩ تظاهرة طالب فيها المتظاهرون من الجيش السوري الحر الالتزام بواجبه المتمثل بحماية المدنيين، في إدلب خرجت ٣١ تظاهرة للمطالبة بإطلاق كل المعتقلين من السجون السورية، في دمشق وضواحيها خرجت ٢٨ تظاهرة للتأكيد على استمرار الثورة حتى الإطاحة بالنظام وتضامنا مع الإخوة الفلسطينيين في مخيم اليرموك للاجئين والذين يناضلون بمواجهة آلة التدمير التي تشنها قوات الأسد مسببة تدميرا وتهجيرا لهم، في درعا خرجت ١٧ تظاهرة حيث طالبوا بوحدة المعارضة والالتزام بأخلاقيات وآداب الثورة، في حمص خرجت ١٣ تظاهرة تضامنا مع المهجرين، في الحسكة خرجت ١١ تظاهرة للتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، في اللاذقية خرجت ٣ تظاهرات وهتف المتظاهرون تضامنا مع المعتقلين وفي الرقة خرجت تظاهرتين.

إن سقوط النظام سيشكل انتصارا عظيما وتحقيقا لآمال الشعب السوري، ولكن لا يمكن إخفاء أن هذا الأمر سيعني انتهاء السيرورة الثورية. لكن الطريقة الوحيدة لحصول ذلك هي عبر معالجة أسباب الفقر، واللامساواة الاجتماعية وسوء التوزيع الاقتصادي، والطائفية (التي ساهم بنشرها النظام وبعض مجموعات المعارضة)، وإنهاء كل أنواع التمييز والاعتراف بحقوق متساوية للمرأة والرجل، وبين الأديان والمجموعات الإثنية، مع الدعم الكامل لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره.

السلام هو مسار وجزء من السيروة الثورية، والحراك الشعبي وحد الشعب، كما توحد المصريون والتونسيون خلال ثورتهم، وكسر حاجز الخوف بين السوريين. لا يمكن تحقيق الوحدة في ظل النظام الديكتاتوري، الذي طور استراتيجية تخويف الطوائف من بعضها البعض. والحراك الشعبي في سوريا يناضل من أجل التضامن الاجتماعي وتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية. والضمانة الوحيدة لما يحتاجه السوريين هو انتصار الثورة بهدف بناء ديمقراطية واجتماعية جديدة في سوريا المستقلة.

وبالنسبة للذين يخافون من المستقبل، دعونا نعمل معا ونناضل لبناء سوريا الجديدة، لأن هذا النظام لم يحمِ أحدا أو أية أقلية، لكنه يحمي مصالح الناس الخاضعين له بغض النظر عن انتمائهم. والإنسان لا يحتاج إلى الفساد، والتسلط والنظام التعسفي بحجة حمايته، وخاصة الشعب السوري! الحماية الوحيدة هي عبر دولة ديمقراطية، وعلمانية، ومستقلة واشتراكية، التي تحترم حقوق الشعب للعيش بكرامة وحرية.

في الخلاصة، كل ما أتمناه في عيد الميلاد لهذه السنة هو السلام لسوريا ولشعب سوريا، سلام لا يمكن تحقيقه إلا عبر إسقاط النظام الأسدي، وبناء جمهورية ديمقراطية، وعلمانية (تحترم حرية المعتقد وتعامل الجميع بمساواة دون أي نوع من أنواع التمييز، من المسيحيين والمسلمين، من الرجال والنساء، من العرب والأكراد…) اشتراكية، وسوريا مستقلة ومتضامنة مع نضالات بقية الشعوب، خاصة الشعب الفلسطيني، لأن حريتنا مرتبطة بحريتهم. اليوم لا أفكر إلا بالشعب السوري، والعائلة، والإصدقاء، والرفاق وقبلهم كلهم كل الشهداء… السلام وفق هذه المقاربة يعني الثورة الدائمة والنصر للشعب السوري.

عاشت سوريا حرة!!

Leave a comment